ريمان برس -
بسم الله الرحمن الرحيم
كتب / مصطفى بن خالد
لندن . 30/12/2024
الشاعر والمناضل اليمني الدكتور سلطان الصريمي:
حياة حافلة بالعطاء والنضال
بمشاعر الحزن والأسى، ودّع اليمن اليوم أحد أبرز رموز الأدب والثقافة الوطنية، الدكتور سلطان سعيد شمسان الصريمي، الذي غادر دنيانا عن عمر ناهز 77 عاماً، مخلفاً إرثاً أدبياً وإنسانياً فريداً.
لقد كان شاعراً عظيماً، ومناضلاً وطنياً جسوراً، وصوتاً متفراً في عالم الكلمة والنضال. في هذا المقال، نستعرض بالتفصيل حياته، شعره، ونضاله الوطني، مع تسليط الضوء على ملامح شخصيته ومسيرته الزاخرة.
النشأة والتعليم:
من الحجرية إلى العالمية
وُلد سلطان سعيد شمسان الصريمي عام 1948م في منطقة الحجرية بمحافظة تعز، وهي منطقة تتميز بتاريخها الثقافي والاجتماعي العريق، نشأ الصريمي في بيئة قروية بسيطة، حيث كان التعليم الأساسي يعتمد على الكتاتيب المحلية.
إنتقل مع والده في طفولته المبكرة إلى جيبوتي، التي كانت محطة هامة في تشكيل شخصيته؛ فقد أكمل هناك تعليمه الابتدائي وتعلم الفرنسية، ما أتاح له الاطلاع على آفاق معرفية أوسع في وقت مبكر، عاد إلى اليمن مع اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962م، ليجد نفسه في قلب التحولات الوطنية الكبرى، وهو ما انعكس لاحقاً على قصائده ومواقفه السياسية.
رغم مشاغله النضالية، أصرّ على مواصلة تعليمه الذاتي، فحصل على درجة الماجستير عام 1985م من موسكو، حيث اختار دراسة العلوم الاجتماعية، ثم أكمل الدكتوراه في الفلسفة عام 1990 من المعهد نفسه.
الشاعر الوطني:
بين الثورة والعاطفة
لم يكن سلطان الصريمي شاعراً فحسب، بل كان حاملاً لقضايا الوطن وآلام الشعب وآماله. منذ شبابه، أبدع في كتابة الشعر بأسلوب يجمع بين الفصحى والعامية، ما جعل كلماته قريبة من وجدان الشعب اليمني بمختلف شرائحه.
أبرز موضوعات شعره:
1- الوطنية والثورة:
استلهم الصريمي من معاناة شعبه وثورات اليمن قصائد وطنية خالدة، أبرزها “نشوان”، التي غناها محمد مرشد ناجي، وأصبحت رمزاً للتمرد والثورة والنضال ضد الظلم والطغيان.
2- العاطفة والحب:
برع الصريمي في التعبير عن الحب والجمال، كما يظهر في أغنية “تليم الحب” التي غناها أيوب طارش، وأغنية “بارق الزهر” التي لحنها أحمد فتحي.
3- القضايا الإنسانية والاجتماعية:
تناول في شعره قضايا الفقر، والحرية، والعدالة الاجتماعية، معبراً عن تطلعات الشعب اليمني في حياة كريمة وعادلة.
أبرز دواوينه الشعرية:
“أبجدية البحر والثورة”
“هموم إيقاعية”
“نشوان وأحزان الشمس”
“زهرة المرجان”
“قال الصريمي”
“الهواجس”
إسهاماته الأدبية في الأغنية اليمنية
أثرت كلماته في الأغنية اليمنية بشكل كبير، حيث تغنى بها أبرز الفنانين اليمنيين، مثل:
أيوب طارش في “تليم الحب”.
أحمد فتحي في “أنا لك” و”بارق الزهر”.
محمد مرشد ناجي في “نشوان”.
عبدالباسط عبسي في “مسعود هجر”.
لم تقتصر قصائده على الأغاني العاطفية، بل كانت كثير من أغانيه الوطنية شعارات ترددها الأجيال، محملة بروح الثورة والتغيير.
النضال الوطني:
الشاعر في خندق الحرية
مع اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962م، انخرط سلطان الصريمي في العمل الوطني كعضو في الحرس الوطني، حيث شارك في حماية المكتسبات الثورية. لاحقاً، تحول إلى العمل السياسي والمدني، فشغل العديد من المناصب، منها:
عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني.
أمين عام اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
رئيس تحرير صحيفة “الثوري” ومجلة “الحكمة”.
عضو مجلس النواب (1993م-1997م).
مستشار إعلامي في السفارة اليمنية بالقاهرة.
أبرز مواقفه النضالية:
نادى بالعدالة الاجتماعية وحقوق الفقراء في كافة مراحل حياته.
انتقد الظلم والاستبداد بشجاعة في قصائده ومقالاته.
كان دائم الدفاع عن حرية الفكر والتعبير.
الجانب الإنساني:
البساطة والتواضع
رغم مكانته الأدبية والسياسية، عُرف سلطان الصريمي ببساطته وتواضعه الجم. كان قريباً من الناس، يتحدث بلغتهم ويعيش همومهم اليومية.
في السنوات الأخيرة، عانى من مشاكل صحية أثرت على حالته المعيشية، ورغم مناشدات المثقفين لإنقاذه، بقيت الظروف المادية تحدياً كبيراً حتى وفاته.
وفاته: خسارة لا تُعوَّض
رحل الدكتور سلطان الصريمي, بعد صراع مع المرض، تاركاً وراءه إرثاً أدبياً وإنسانياً خالداً، سيظل حاضراً في ذاكرة الأجيال من خلال قصائده وأعماله التي عبّرت عن روح اليمن وهويته.
إرث خالد:
ما تركه للأجيال القادمة
سيبقى الدكتور سلطان الصريمي نموذجاً للشاعر والمناضل الذي حمل على عاتقه رسالة الأدب والنضال.
أعماله ستظل شاهداً على نضال الشعب اليمني وحبّه للحياة رغم كل التحديات.
ختاماً :
رسالة وداع
بقلوب مكلومة، نقول:
“رحل سلطان الشعر، لكنه ترك نوراً في دروب الكلمة والنضال.
رحمك الله أيها الشاعر العظيم، وأسكنك فسيح جناته. إننا نعاهدك أن تظل كلماتك خالدة في ذاكرة اليمن وأبنائه .
هذا ،،،
والله من وراء القصد |