ريمان برس -
د.عبد الغني جغمان
في الأيام الأخيرة، تصدرت قضية الأنبوب المكتشف في ميناء الضبة المشهد الإعلامي، وسط موجة من الجدل والتكهنات حول حقيقة ما يجري في القطاع النفطي بحضرموت. لكن بعيدًا عن العناوين المثيرة، تبرز أسئلة جوهرية حول الدور الذي تلعبه الجهات المسؤولة، وعلى رأسها شركة بترومسيلة، في إدارة الموارد النفطية، وحماية الميناء من أي تجاوزات.
أنبوب مفاجئ.. ولكن كيف؟
يثير هذا الاكتشاف المفاجئ تساؤلات منطقية، خاصة أنه لا يمكن تركيب أنبوب بهذا الحجم فجأة ودون إجراءات واضحة. فالأنشطة المتعلقة بالبنية التحتية النفطية تتطلب تصاريح رسمية، معدات متخصصة، ووقتًا كافيًا للتنفيذ. وبالتالي، كيف يمكن الحديث عن اكتشاف مفاجئ لمنظومة بهذا الحجم؟
الأمر الأكثر إثارة للريبة هو أن الأنبوب يقع داخل حرم ميناء الضبة، وهو مرفق نفطي استراتيجي تديره بالكامل شركة بترومسيلة. هذا يعني أن أي أعمال إنشائية أو عمليات لوجستية داخله لا يمكن أن تتم دون إشراف وتنسيق مباشر من الشركة. وهنا يبرز السؤال الأهم: من منح التصاريح؟ ومتى تم ذلك؟ ولماذا لم تتحدث بترومسيلة عن الأمر منذ البداية؟
حقيقة أم فبركة إعلامية؟
بالنظر إلى الصور والمعلومات المتداولة، يتضح أن الأنبوب قديم وأعمال الحفر ليست حديثة، مما يعزز الشكوك حول كونه مجرد أداة في حملة إعلامية مضخمة لأغراض سياسية. فالنفط الخام يتم نقله عبر قاطرات وبإجراءات رسمية، وليس عبر أنبوب قديم ومتهالك، مما يجعل هذه الرواية مليئة بالثغرات.
الفساد في قطاع النفط.. تجاوزات موثقة
لكن القضية لا تتوقف عند الأنبوب وحده. فقد وردت إلينا معلومات مؤكدة تفيد بأن تصاريح نقل النفط الخام من ميناء الضبة إلى مصافي غير رسمية، تديرها جهات نافذة وتجار في السوق السوداء، تصدر مباشرة من إدارة شركة بترومسيلة، وبتنسيق وحماية من رأس هرم السلطة في حضرموت.
هذه المعلومات تكشف عن شبكة مصالح واسعة تستغل النفط، وهو أحد أهم مقدرات الوطن، لتحقيق مكاسب شخصية وتمويل صراعات سياسية. وبينما يعاني المواطن من أزمات اقتصادية خانقة وارتفاع في الأسعار وانعدام الخدمات الأساسية، يتم تسخير الموارد النفطية لخدمة أجندات ضيقة، بدلًا من استثمارها في التنمية وتحسين مستوى المعيشة.
النفط رهينة المصالح والصراعات
ما يحدث اليوم في حضرموت ليس مجرد قضية فساد عابرة، بل انعكاس لصراع أعمق على ثروات البلاد، حيث يتم استخدام النفط كأداة ضغط سياسي، وأحيانًا كوسيلة لتصفية الحسابات بين الأطراف المتصارعة. هذه التجاوزات ليست جديدة، لكنها اليوم أصبحت أكثر وضوحًا مع انكشاف عمليات التهريب المنظمة، والتنسيق بين جهات رسمية ونافذين للاستفادة من العائدات خارج إطار الدولة.
إلى متى ستستمر هذه الفوضى؟
في ظل هذه المعطيات، يصبح السؤال أكثر إلحاحًا: إلى متى سيظل النفط، وهو ثروة البلاد الأساسية، رهينة المصالح الشخصية والصراعات السياسية؟ وأين هي المساءلة والمحاسبة للجهات المتورطة في استغلال مقدرات الوطن؟
إن استمرار التلاعب بالثروات النفطية دون رقابة صارمة ومحاسبة جدية لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمات وإطالة معاناة الشعب. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، تحتاج حضرموت إلى إدارة شفافة ونزيهة لمواردها النفطية، تضع مصلحة الوطن والمواطن فوق أي اعتبارات أخرى. |