ريمان برس - خاص -
يبدو الوطن العربي بكل مقوماته المادية والمعنوية والعقائدية والحضارية التراثية، قد أصبح مسرحا للعبث الأمريكي الذي لم تتمكن أمريكا من تحقيقه طيلة عهود أنظمة (الديكتاتوريات العربية) التي وصفت بكل الأوصاف المقذعة وشنت ضدها حملات (شيطنة) من قبل النخب العربية والفعاليات السياسية والحزبية، التي فجأة أصبحت متحضرة تنادي بالحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، وتتغزل بحياة أمريكا والغرب، وتطالب إقتفاء اثرهم _عربيا _ ومع بزوغ فجر اليقضة القومية واستقلال مصر في منتصف القرن الماضي وصعود الزعيم جمال عبد الناصر بمشروعه القومي العربي، جوبه بكل مفردات ( الشيطنة) من قبل ترويكا أقصى اليسار وأقصي اليمين ومعهم قوي الرجعية العربية الموالية لأمريكا، فيما ذهبت _واشنطن _والمنظومة الاستعمارية الغربية تنافح عن مصالحها في الوطن العربي متخذة من تلك الترويكات النخبوية العربية _أحصنة طروادة_ بدأت بتسويق قيم وثقافة أمريكا والغرب حاملة الوية التبشير بقيم وثقافة أمريكا والغرب واعتبارها النماذج الحضارية الأكثر ملائمة للعرب والتقدم العربي..؟!
خدائع وأكاذيب سوقتها بعض النخب العربية عن جنة أمريكا والغرب و(شيطنة) أنظمة وطنية وقومية واعتبرتها أنظمة قمعية وديكتاتورية متخلفة، والحقيقة أن تلك الترويكات النخبوية العربية لم تكن تعمل لصالح الأمة بل لصالح أمريكا وهيمنتها ولصالح المخططات الاستعمارية التي جميعها تخدم الوجود الصهيوني..؟!
رغم إتفاقية ( سايكس _بيكو) التي قسمت الوطن العربي إلى كانتونات إنعزالية وحاربت كل مشروع وحدوي وكل فكرة قومية، حين اكتشفت القوى الاستعمارية أن فكرة ( الدولة الوطنية) _ التي شجعتها وعملت على (شيطنة الدولة القومية والوحدة العربية)_ تشكل بدورها خطرا على مصالحها فعملت على شيطنة الدولة الوطنية بقيمها القطرية فراحت تزرع العصبيات المذهبية والعرقية داخل الأقطار العربية وبعد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر الذي شكل مشروعه ونظامه عائقا أمام المخططات الأمريكية والاستعمارية، بدأت أمريكا والغرب في تكريس جهودهم على (عزل مصر) عن نطاقها العربي وبرزت نخب مصرية ترفع مقولة مصر _أولا _مصر ثانيا _مصر دائما وأخيرا، وتجاهلوا حقيقة أن مصر القديمة والقادرة لم تكن مصر داخل حدودها السياسية بالأمس واليوم وغدا، ليس هناك أمل ولا أمن لمصر معزولة عن امتها ومحصورة داخل حدودها السياسية، وفي هذا الجانب يقول _ الاستاذ محمد حسنين هيكل _( إذا تحدثنا بالأنانية وتركنا جانبا حديث الأنتماء، فأن مصر الإنانية يتحتم عليها أن تكون عربية وليس ذلك حكم التاريخ وحده وإنما هو حكم المستقبل قبله)..؟!
إذا إصرار أمريكا على الهيمنة على الوطن العربي مدفوعة بثلاثة أهداف إستراتيجية تتمثل في :
_ ضمان مصادر الطاقة.. حيث تعد دول الخليج مصدرا إستراتيجيا لهذه الطاقة، وكلفة متدنية لاستخراجها، ناهيكم عن المخزون الاحتياطي الهائل الذي تمتلكه دول الخليج حيث تحتل السعودية المرتبة الأولى، يليها العراق، فالإمارات، ثم الكويت، وبكلفة لا تتجاوز (دولارين) عن كل برميل نفط يستخرج منها مقابل ( 20 دولار) لكل برميل تستخرجه أمريكا من حقولها..؟!
الهدف الأمريكي الثاني هو : حماية أمن الكيان الصهيوني وإبقائه في حالة تفوق دائم عن كل دول المنطقة.
الهدف الثالث لأمريكا يتمثل في حماية الأنظمة الموالية لها في الوطن العربي، ومنع ظهور أو بروز أي قوي إقليمية في الوطن العربي من شأنها أن تجعل ميزان القوة يميل لصالح العرب، وهو امر لا يتفق مع السياسة الأمريكية التي تتمسك بفكرة جعل (الكيان الصهيوني) القوة العسكرية الوحيدة المتفوقة على كل الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط وعلى مختلف المجالات العسكرية والتقنية والعلمية والاقتصادية، وتعمل جاهدة على إدماجه وجعله جزءا من النسيج الجغرافي والحضاري للوطن العربي وتخومه..؟!
لكن هل كان لأمريكا أن تحقق أهدافها بهذه الطريقة التي نشاهدها اليوم في الوطن العربي لولاء تلك النخب والفعاليات الانتهازية، والأنظمة الرجعية المرتهنة، التي قبلت على نفسها الارتهان للمشروع الأمريكي _الاستعماري، وقبلت أن تكون _حصان طروادة _ للكابوي الأمريكي والقيم الاستعمارية التي تم تسويقها بذريعة الحداثة والتقدم الحضاري والديمقراطية؟!
أن لا أمريكا ولا الصهاينة ولا كل قوي الاستعمار، كان في مقدورهم اختراق واقعنا القطري والقومي، لولاء خيانة أولئك الذين قبلوا أن يجعلوا من أنفسهم جسورا تعبر عليهم أقدام ( الكابوي) الهمجية، التي تدفع الأمة اليوم بكل مقوماتها ثمن خيانتهم لدينهم وقيمهم وهويتهم العربية الإسلامية،الذين يتفاخرون اليوم برضاء أمريكا عنهم، أويستجدون رضائها، ويتباهون أن نالوا مكارمها، أو حصلوا منها على (جوائز خيانتهم) لأمتهم وقيمهم الوطنية والقومية والإسلامية. |