ريمان برس- خاص -
قطعا (تعز) ليست بلاد (الملائكة) بل فيها من (الشياطين) البشرية من يعجزون (شياطين الجن) عن مجاراتهم وهؤلاء رغم قلتهم كانوا بمثابة (عصيان) تتكي عليها رموز السلطة في صنعاء من قبل وبعد الثورة، وكانوا بمثابة أدوات للأنظمة المتعاقبة التي سيطرت على (تعز) عبرهم ونصبة منهم أوصياء على تعز وأبنائها، ولم يكونوا هؤلاء الاوصياء يوما مع تعز وأبنائها أو حريصين عليهم أو يعملوا لمصلحتهم، بل كانوا يخدمون مصالحهم الشخصية فإذا تقلصت مصالحهم رفعوا شعار (الطائفية والمناطقية وحتى المذهبية) وكانوا دائما في خدمة الحاكم في صنعاء طالما وهذا الحاكم يغدق عليهم بمكارمه فأذا تقلصت المكارم ارتفع أصوات هؤلاء، الذين كانوا يحضون بمواقفهم وحتى بتعصبهم المناطقي والطائفي والمذهبي برضاء رموز السلطة في صنعاء الذين كانوا يدركون أن كل ما يصدر عن هولاء لا يشكل خطرا عليهم، بقدر ما يرعبهم خطاب الغالبية المنادين بدولة المؤسسات والعدالة والمواطنة المتساوية والتقدم الاجتماعي..؟!
لقد عرفت تعز بضعة رموز وجاهية لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة تقريبا، اتخذت الأنظمة الحاكمة المتعاقبة من هذه الرموز كممثلين حصرين لتعز وقد لعبت هذه الرموز دورا في الأحداث التي شهدتها البلاد قبل وبعد الثورة اليمنية، لمن تنامي الوعي الثقافي والاجتماعي وتأثر أبناء تعز بالتطورات الحضارية وحركة التقدم الاجتماعي ساهم في بلورة قيم ثقافية واجتماعية وطنية لدى شريحة كبيرة من أبناء تعز، الأمر الذي أثر على أنشطة وعلاقة ومكانة هذه الرموز الوجاهية التي وجدت نفسها مع تنامي الرغبة الشعبية بالتغير عاجزة عن السيطرة والتحكم بالجماهير التواقة للتغير فاضطرت لمسايرتها لكنها بذات الوقت ربطت مصالحها بمصالح الترويكا القبلية في صنعاء التي بدورها رأت التغير بأنه (يتعارض مع القيم الإسلامية وان من يريد التغير هم مجموعة من الشيوعين أو العلمانيين) وهكذا كانت قناعة هؤلاء صبيحة قيام الثورة عام 1962م وقد ساهمت تلك النخبة الوجاهية في ضرب النخب السياسية والفكرية والثقافية _التعزية _على خلفية تطرف هذه النخب التي حاولت إحداث التغيير الاجتماعي، والتي راحت ومنذ اللحظة الأولى الاصطدام برموز المحافظة من القوى التقليدية والوجاهية وسعت إلى تجاوزها بدافع الحماس والتعصب الحزبي وهو التعصب الذي افقد أصحابه عمقهم الاجتماعي وحاضنتهم القبلية والاجتماعية، لذا وحين اقول ان النخب السياسية والفكرية لم تكن مناطقية ولا طائفية ولا مذهبية بل كان عيبها في تعصبها الحزبي وتمترسها عند تخوم قناعته السياسية والفكرية حد التطرف لم تراعي هذه النخب الواقع الاجتماعي وخصائصه والظروف الاجتماعية بل كان إيمانها بالتغير والتقدم غاية وهدف مهما كانت التبعات وكانت الصعوبات، هذه القناعات فرقت أبناء الأسرة الواحدة في تعز حيث نجد الأسرة المكونة من ثلاثة أشقاء مثلا أحدهم قومي والثاني أممي والثالث إخواني والثلاثة لا يتفقون على رأي ولا يتقابلون في مجلس فأجدوا بتعصبهم لقناعتهم أزمة داخل الأسرة وكان كل أخ من هؤلاء يرى زملائه من المنتمين لذات الفكر الذي يعتنقه أقرب إليه واحن عليه من شقيقه ابن ابوه وأمه الذين قضوا حياتهم قلقين على أبنائهم ويخشون عليهم من بعضهم وتعصبهم ضد بعضهم ..؟!
وحتى شيوخ ووجهاء المحافظة الذين أنفقوا الكثير على تعاليم أبنائهم وابتعثوهم للدراسة خارج الوطن في مصر والعراق وسورية والاتحاد السوفييتي، فعادوا من الخارج بقيم وقناعات ومفاهيم جديدة وآراء سياسية مؤدلجة متجاوزين واقعهم ووجاهة آبائهم ومثلهم كان أبناء العامة وهكذا هي تعز التي دفعت ثمنا باهضا خلال مسيرتها الوطنية وخسرت في سبيل ذلك كوكبة من أبنائها الذين دفعوا حياتهم في مسيرة التغير فكانت أحداث 2011م بنظر الغالبية من الشباب هي الفرصة التي ستمكنهم من رد الاعتبار لمن سبقوهم من ضحايا التغير الباحثين عن دولة النظام والقانون والعدالة والمواطنة المتساوية بعد أن زادت احتقانات القهر لدرجة ان احتمال المزيد من القهر كان فعل من مستحيل..؟!
ولم يخطر ببالهم أن خروجهم ذاك سيقودهم والوطن والشعب وتعز إلى( مقصلة) ترويكا التسلط التي تجدد نفسها مع كل حدث وتجدد أدواتها ورموزها وفق قناعات راسخة ومبدأ ثابت وتعصب متعدد الدوافع والأهداف والغايات فاق التعصب الحزبي والقناعات الأيديولوجية المتعددة المشارب الفكرية والمدارس السياسية..؟!
لتنال تعز على خلفية أزمة 2011م من العقاب ما فاق كل العقوبات التي نالتها على خلفية مواقف أبنائها ورموزها من الأحداث الوطنية المتعاقبة منذ قيام الثورة قبل سلعة عقود، وان كانت عقوبات تعز السابقة قد تمثلت بتصفيات كوكبة كبيرة من أبنائها ورجالها وهي العقوبات التي رافقها تعبيئة خبيثة ضدها وضد أبنائها ودورها، فإن ما طال تعز اليوم من عقوبات غير مسبوقة، التي لم تنحصر في نطاق (شيطنة تعز وأبنائها) وتحميلهم وزر كل تلك الأحداث، حتى أن المسيرة الجماهيرية والشبابية التي انطلقت من تعز للعاصمة سيرا على الأقدام يرى فيها البعض وكأنها (عارا على تعز ) كل هذه التهم تطلق دون التوقف أمام النوايا الحسنة والرغبة الوطنية الصادقة التي تستوطن وجدان وذاكرة أبناء تعز الذين تفاعلوا من أجل التغير نحو الأفضل، ومن أجل الوطن كل الوطن دون تفريق ودون تفكير بمن سيأتي للسلطة، ومن أي جهة يأتي، المهم أن يأتي من ينظر للوطن والشعب بعين واحدة ويحمل مشروعا وطنيا، والمؤسف أن هذا لم يحدث وما حدث أن وجهت لتعز سهام العقوبات والتي لم تقف هذه المرة في نطاق الأفراد بل طالت حتى ( الجغرافية التعزية) التي سبق وأن طالتها معاول التسلط، قبل وبعد قيام دولة الوحدة عام 1990م بدءا من تقسيم (شرعب) إلى مديريتين في ثمانينيات القرن الماضي إلى سلخ (المقاطرة والقبيطة) بعد الوحدة وها هي تعز اليوم تواجه جغرافيتها (سواطير الجلادين) فهناك تعز الحوبان وهناك تعز المدينة وهناك تعز الساحل، فاي تعز قد نشاهد في نهاية الأحداث ..؟!
يتبع |