ريمان برس -
تواصلا مع ما سبق أعود وأقول أن مواقف الجمهورية العربية السورية الثابتة والمبدئية فيما يتصل بالقضايا القومية وفي المقدمة قضية فلسطين التي تحضي لدى دمشق بأولوية حتى عن قضية (الجولان) العربي السوري، واعتقد ان هناك من يتذكر مقولة الرئيس الراحل حافظ الأسد لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق سيء الصيت (هنري كيسنجر) ( لن يرفع علم سورية على مرتفعات الجولان قبل أن يرفع علم فلسطين على قبة المسجد الأقصى)..
محاولة تطويع سورية زادت شراستها بعد تعزيز علاقتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومع روسيا الاتحادية التي لم تتخلي دمشق عن علاقتها بها حتى في اسوي المراحل التي مرت بها روسيا بعد انهيار المعسكر الشرقي وتفكك الاتحاد السوفييتي حين تخلت كل دول العالم تقريبا عن روسيا الاتحادية بما فيها دول كانت حليفة لها ومديونة لها بالمليارات تخلت عن روسيا توجهت نحو المحور المنتصر حينها أمريكا والغرب، إلا سورية ظلت على مبادئها، سورية عارضت الحرب العراقية _الإيرانية، وعارضت الغزو العراقي للكويت وهي من عارضت الغزو الأمريكي للعراق بعد خروجه من الكويت وكانت اول من كشف مخطط استهداف العراق وابلغت القيادة السورية القيادة العراقية بهذا المخطط مباشرة وعبر أطراف عربية ودولية وتحديدا عبر القيادة الفلسطينية ممثلة بالرئيس الشهيد ياسر عرفات وعبر القيادة اليمنية ممثلة بالرئيس الأسبق على عبد الله صالح وأيضا عن طريق روسيا والصين والرئيس الكوبي فيدل كاسترو وكل هذه الحقائق موثقة..
هذه المواقف ترى أمريكا والكيان الصهيوني انطلاقا من رد الفعل العربي رسميا وشعبيا ونخبويا على تداعيات معركة طوفان الأقصى التي رغم وحشيتها لم تحرك مشاعر العرب ولا مواقفهم بل انخرط بعضهم الي جانب الصهاينة بالمشاركة والدعم المستتر والخفي أو بالصمت والتواري وكأن الأمر لا يعنيهم، فيما البعض ودرءا للإحراج جعل من نفسه وسيطا بين ( الضحايا) و( الجلادين) وهو دور مخزٍ لا يليق بأي عربي حر تجري في عروقه دماء العروبة ويتحلي بقيمها وبقيم الإسلام..
هذه المواقف العربية الرسمية والشعبية وعلى ضوء الفشل الذي منيت به المخططات الصهيونية الاستعمارية، رأت واشنطن أن الوقت قد حان لتوجيه ضربة لسورية قيادةوجيشا وشعبا، ولحلفاء دمشق وخاصة _طهران _موسكو، دون أن نغفل دوافع واشنطن وحلفائها في المنطقة ورغبتهم في تحويل المشهد العربي السوري الي ( مزار للمشاريع الاستعمارية) بهدف مساومة حلف مناهض لهم ولنفوذهم يمتد من (صنعاء حتى موسكو مرورا بيروت وفلسطين ودمشق وبغداد وصولا إلى طهران) وأن كانت عقدة الحلف الصهيوني _الأمريكي الاستعماري الرجعي يرى العقدة في مواقف دمشق _طهران فيما يتصل ب( الكيان الصهيوني) فأن من الأهمية بمكان الإشارة إلى مواقف صنعاء والمقاومة في فلسطين ولبنان والعراق باعتبارهما كما يقال (اذرع طهران) وقد حاولوا اعطاء هذا الامتداد طابعا ( مذهبيا) رغبة في توظيف ( الخلافات المذهبية) و استغلالها بطرق رخيصة لتحقيق أهداف استعمارية قذرة لدرجة ان ذهبوا بتصنيف النظام العربي القومي والعلماني في سورية بأنه نظام مذهبي وطائفي، وهو توصيف هلامي عبثي لا يصدقه الا غبي أو جاهل، لأن في سورية شعب عربي متعدد الأصول والأعراق والمذاهب، ولماذا تم حصره في نطاق ثنائي مذهبي (شيعي _سني) وتجاهلوا التركمان، والأكراد، والدروز، والمسيحيين، والأرمن، و.. و.. الخ.
ومع ذلك فأن فلسطين أسقطت هذه المحاولة الرخيصة التي لم تطغي الي السطح إلا كسلاح تم توظيفه ضمن أسلحة استهداف سورية على خلفية مواقفها المبدئية الثابته رفضها الانصياع لرغبات واشنطن والغرب الاستعماري وفك ارتباطها مع طهران وموسكو..؟
واقع الحال العربي المنهار لدرجة الانحطاط رسميا وشعبيا دفع أعداء سورية والأمة الي محاولة التعويض عن فشلهم في فلسطين و لبنان واليمن وعجزهم عن تطويع طهران والسيطرة على العراق، كل هذه العوامل والأسباب دفعتهم لتحريك بيادقهم في سورية ولكل طرف أهدافه وأسبابه..؟
فالصهاينة والامريكان والعرب تقلقهم العلاقة السورية _الإيرانية نزولا عند رغبة أمريكا والصهاينة مع ان علاقتهم بايران عمرها مئات السنين ولم تشعرهم بالقلق وكانوا خلال تلك القرون يقبلون (أحذية حكام طهران) بكل سرور ورضاء، ولم يقلقوا الا حين قامت الثورة وثعد نظام إسلامي معادي للصهاينة والاستعمار، ويعامل العرب باحترام وتقدير ويعتبرهم اشقاء، لا يطلب منهم (الركوع وتقبيل احذيته) بل يطلب منهم ان يكونوا أحرارا كرماء مستقلين واسياد في أوطانهم وان لا يركعوا للصهاينة والامريكان..!
فلماذا الخوف إذا من إيران أيا كانت وكان طموحها وكانت مشاريعها، والاجدر بالنظام العربي وبدلا من الخوف من مشاريع إيران أن يكون لديه مشروعه هو أيضا وان يتعاطى مع إيران كدولة مجاورة شريكة معه بالجغرافية والتاريخ والعقيدة والثقافة، وهي الأقرب لهم من امريكا والغرب والكيان الصهيوني وهؤلاء من يفترض أن يخاف ويقلق منهم النظام العربي..؟!
سورية نظرت لإيران الثورة والدولة من منظار قومي عربي أصيل وليس من منظار مذهبي كما يذهب البعض في تصوير الأمر وفق المنطق الصهيوني _الأمريكي الاستعماري، الذي يتبناه للأسف بعض العرب أنظمة ونخب ممن يدورون في الفلك الصهيوني ويخدمون المخططات الصهيونية والاستعمار ية.
يتبع
4 ديسمبر 2024م |